تسجيل الدخول

القضاء العرفي في سيناء للكاتب فيصل سليمان ابو مزيد

2020-05-01T07:28:48+02:00
2020-05-01T13:43:33+02:00
واحة الأدب
zoran1 مايو 2020آخر تحديث : منذ 5 سنوات
القضاء العرفي في سيناء للكاتب فيصل سليمان ابو مزيد

مقتطفات من كتاب سيناء.. المكان والانسان، للكاتب فيصل سليمان ابو مزيد

القضاء العرفي ببساطة هو الطريقة التي يحتكم إليها الخصوم لأخذ الحقوق، أو لمعاقبة المذنب في البادية السيناوية.

وقد تناوله الكثيرون من الكتاب والمؤلفين وتحدثوا عنه، بل أفرد له الباحث عارف العارف كتابا كاملا وإسمه  ” القضاء العرفي عند قبائل بئر السبع” في القرن الماضي، وحديثا تحدث عنه في  كتاب المؤلف الأستاذ يحيى الغول .

وسنتناوله هنا بإيجاز لإعطاء القارئ الكريم نبذة ومعلومة عنه .

 القضاء العرفي  له أسسه وقواعده وترتيباته التي تجعل الحكم على المعتدى أو الجاني ملزماً لا مجال فيه للتهرب أو الإحتيال.

وهو نظام فعال جداً في حل الكثير من القضايا والمشاكل التي قد تصادف البدو في حياتهم، وقد تعجز الدولة أحياناً عن حل المشكلات بين الناس فتحول قضاياهم إلى قضاة من العرف حسب نوع القضية، وهو نظام معترف به عند كل القبائل بلا إستثناء في حل مشكلاتهم، ومعظم أهل سيناء يعرفونه ويعرفون قواعده وأسسه وأساليبه .

ويختلف القضاة فيه بإختلاف المشكلة، فالقاضي الذي ينظر في مشاكل الدم والضرب يختلف عن القاضي الذي ينظر في مشاكل العار والعرض والمرأة، كما أن القاضي الذي ينظر في قضايا الأراضي والتعديات على الملكيات، والإختلاف على حدود الأراضي والمقاسات يختلف عن القاضي الذي ينظر في قضايا الأموال والمواشي والإبل !!

فكل قاضي يختلف عن غيره حسب نوع القضية، وهذا متفق عليه بين القبائل وتعارفوا عليه من قديم الزمان.

فعلى سبيل المثال لا الحصر :

– القاضي الذي يختص بقضايا الإعتداء على الأموال  والمواشي والإبل  بغير حق يسمى ” قاضي الزيادي “
– القاضي المختص بقضايا النساء والأعراض  يسمى ” قاضي المنشد “
– القاضي الذي يختص في قضايا الدم يسمى ” قاضي مناقع الدم “
– القاضي الذي ينظر في تقطيع الوجه يسمى ” المنشد “
– القاضي الذي ينظر في مشاكل الأراضي والملكيات يسمى ” أهل الديار “
– القاضي الذي يختص بإحالة القضايا للقضاء والمختص يسمى ” الضريبي”

وقد حقن القضاء العرفي الكثير من دماء الناس بقوانينه وأنظمته، كما رد الحقوق لعدد كبير من الضعفاء أو المظلومين، وإقتص من المعتدين  والمتجبرين وحفظ الأعراض وحمى العهود والاتفاقيات والمواثيق.

والقضاء العرفي هو مجموعة من الأعراف التي  تحكم القبائل العربية والعائلات الكبيرة، وتمزج بين أحكام الشريعة الاسلامية وما إتفق عليه وتعارف المجتمع المتمثل بالقبيلة.

ويستمد القضاء العرفي قوته وأهميته من مشايخ القبائل وقضاة يتمتعون بذكاء وحلم وسداد رأي وزعامة شعبية عند جمهور العرب.

وفي القضاء العرفي مصطلحات ومفاهيم خاصة فيه ومرتبطة لا يعرفها إلا من كان من أبناء القبائل أو كان دارساً لها.

وتبدأ أولى مراحل القضاء العرفي عند القاضي بحضور الطرفين بعد تحديد نوع القضية التي يختص بها القاضي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال فتح أي قضية أو الإستماع إلى أي طرف إلا بعد ” شد الكفل ” وهو الشخص الذي يضمن حقوق أحد الأطراف لدى الطرف الآخر بالوفاء بالحق الذي سيخرج من عند الثلاثة ” وهم الثلاثة قضاة الذين ينظرون القضية ” ، ويكون كفيل طلوع الحق لطرف على آخر.

وإذا كان أحد الطرفين ليست لديه القدرة للتعبير والمرافقة، فله الحق بأن يعين كبير يتكلم بلسان حاله، فيصبح هذا الكبير يمثل أحد الطرفين للحديث أمام القاضي لإقناعه أو سرد حجته ( بالضبط كالمحامي الذي يوكل من طرف شخص للترافع أمام القاضي في المحاكم )، ولا يشترط أن يكون هذا الكبير من نفس القبيلة.

وقد يكون الكفيل الذي يضمن الحق للطرف الآخر ليس مؤهلاً وصالحاً للكفالة،  كأن يكون مكبورا،  وهذا المصطلح يعني أن الكفيل له كبير مسئول عنه كأبيه أو جده أو عمه أو أخ أكبر منه، ولا بد من موافقته على كفالته حتى لا يكون هناك مجالا للتحايل على طلوع الحق بأن يقول كباره أننا لم نسمح له بالكفالة !

ويحق للطرف الآخر أن يطعن فيه ويرفض كفالته إذا كان مكبورا أو به عيباً أدبيا من العيوب التي تقلل قيمة الرجل في المجتمع.

وقبل أن يبدأ الطرفان لعرض حجتهما وقضيتهما يأخذ القاضي ما يسمى ” الرزقة ” وهو مصطلح يعني رسوم التقاضي الذي يأخذها القاضي نظير متابعة القضية وحلها، ويرفض بعض القضاة أخذ المال للتسهيل في حل المشكلة، وقد يأخذ بعضهم ” الرزقة”  ثم يدفعها للطرف الذي له الحق بعد صدور الحكم.

وبعد أن يتفق الطرفان  إسم القاضيين الآخرين الذي سيتقاضوا عندهم  لو لم يوافق أحد الأطراف على حكم القاضي الأول .. فيختار كل طرف قاضي ويسمى ” العدف “.

وتبدأ المرافعة من الطرفين ويستخدم كل طرف مهارته في إنتقاء الألفاظ لتقوية حجته وبيانه أمام القاضي.

 ويحاول القاضي بعد إستماعه للحجج والمرافعة من الطرفين، وقبل طلوع الحق فتح مجالا للصلح والتسامح بين الطرفين، ويتدخل العقلاء والمشايخ  لتقريب وجهات النظر، وتذكير الناس أن الشيطان يسعى للفرقة بين الناس، وأن من يعفي ثوابه عظيم عند الله، وقد تنتهي القصة بالتسامح والسلام على بعضهم البعض، وقد يطلب الحاضرون من صاحب الحق الظاهر لهم أن يسبقهم إلى منزله ويجهز الشاي والقهوة لهم ليأتوا له جميعهم بما فيهم الطرف الآخر كرامة له وتقدير ويقولون له : “حقك في لسانك ومالنا بركة إلا أنت” وحينها تنتهى دون خسائر مادية لأن البدوي يهمه الشرف والتقدير قبل المال والمصالحة.

وقد يحتاج أحد الأطراف إلى الإنفراد بكبيره وهو لسانه فتسمى في البادية ”  المخلوية ” وتعني التشاور سرّا بعيداً عن الناس.

وقد لا ينجح الحاضرون في الإصلاح  فيصدر القاضي حكمه .

وقد يرفضه أحد الطرفين ويسمى هنا “نكت الحق” ويعني هذا المصطلح إستئناف القضية عند القاضي الآخر ورفض حكم القاضي ( بالضبط كحكم المحكمة الإبتدائية حين لا يرضى به أحد الطرفين  فيذهب إلى محكمة الإستئناف ).

ويطلب المثول إلى القاضيين الآخرين الذين اتفقوا عليهم قبل التحاكم، والذي ينكث الحق ويطلب القاضي الثاني لا يحق له نهائياً بعد هذا أن يرفض حكم الثاني، بل من حق الطرف الآخر أن ينكت ” يرفض ويستأنف ” .

فإذا جاء حكم القاضي الثاني بنفس حق القاضي الأول وأيد حكم القاضي الأول وقال : “حق نشده ولا نهده ” أي نثبته ولا نلغيه كان طلوع الحق واجباً على الطرف الذي رفضه عند الأول، لأن القاعدة العرفية تقول :” حق الأثنين يأكل حق الثالث “، أي إذا أصدر قاضيان نفس الحكم وإختلف القاضي الثالث، كان الحق مع حكم القاضيين.

أما في حالة رفض الطرف الثاني لحكم القاضي الثاني فله أن  ” ينكت ”  ويطلب أن يسمع حق القاضي الثالث.

وفي هذه الحالة يكون الحكم الذي يصدره القاضي الثالث والأخير هو ملزم للطرفين ولا جدال عليه.

والقضاء العرفي يسري على كل من في سيناء، سواء كانوا حضراً أو بدواً ، وأهل المدن من الحضر يتعاملون به ولو بشكليات منه.

ولكن معرفة ودراية أهل المدن والحضر قليلة جدا مقارنة بأبناء القبائل، لذا حين يواجهون مشكلة فيجلبون لهم كبيراً  ليتحدث عنهم، وهذا الإجراء ليس عيبا أو نقيصة، بل معظم أبناء القبائل يستعينون به، لعدة أسباب منها أن صاحب المشكلة قد لا يفكر بطريقة سليمة وصحيحة، فيكون الكبير والممثل له أكثر تركيزا منه.

ولا شك أن هذا القضاء العرفي قد حلّ الكثير من مشاكل المجتمع المختلفة، بل وأرسى قواعد الأمن والأمان بين أبناء المجتمع  وما سردناه موجز يسير يضع للقارئ الكريم صورة في ذهنه لهذا القضاء الذي له سلطة على الكل دون تفريق أو تقسيم.

ولكن …. هذه الأحكام العرفية يشوبها أحياناً أحكام تخالف وتعارض أحكام الشريعة الأسلامية وخاصة في موضوع القصاص والجروح وفيما يسمى لحس البشعة (  البشعة حديدة توضع في النار حتى تحمر وتوضع على اللسان لكشف الكذب ).

وقد إتجه الكثيرون في الآونة الأخيرة إلى تفضيل التحاكم إلى الشرع وخاصة في القصاص والمواريث، فكانوا يرسلون إستفساراتهم مع رجل أمين إلى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف ليحدد لهم الفتوى أو الحكم، وأحيانا يجلسون ويتحاكمون عند شخص لديه معرفة بأحكام الدين والشريعة في المجتمع.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.