لم تكن الاشعار الامثال العربية وليدة الصدفة بل هي نتاج لتجارب واحداث حصلت على ارض الواقع فلكل مثل حكاية ولكل حكاية قصة ولكل قصة ابطالها ولجميع ذالك هنالك اناس وهبهم الله امكانيات لا توجد في سواهم بالقدرة على الاستفادة من ذلك ونقلها للعوام للاستفادة منها لتخلد عبر الاجيال من خلال التناقل بين الناس ويخلد قائلها وابطالها وقفتنا اليوم مع مثل نسمعه باستمرار والكثير منا لا يعرف ماذا يعني وان عرف فانه لا يعرف حكايته “ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله ِيلاقي الذي لاقـَى مجيرُ أم ِّ عامر”
فلهذا المثل قصة وقعت حدثت مع إعرابي صاحب نخوة وشهامة وهي أن جماعة من العرب خرجت للصيد، فعرضت لهم ضبعة فطاردوها، وكان العرب يطلقون عليها أم عامر، وكان يومها الجو شديد الحر، فالتجأت الضبعة إلى بيت رجل أعرابي، فلما رآها وجدها مجهدة من الحر الشديد، ورأى أنها استنجدت به مستجيرة، فخرج شاهرًا سيفه، وسأل القوم : ما بالهم؟
فقالوا: طريدتنا ونريدها، فقال الأعرابي الشهم الذي رق قلبه على الحيوان المفترس: إنها قد أصبحت في جواري، ولن تصلوا لها مادام هذا السيف بيدي، فانصرف القوم، ونظر الأعرابي إلى أم عامر فوجدها جائعة، فحلب شاته، وقدم لها الحليب، فشربت حتى ارتدت لها العافية، وأصبحت في وافر الصحة والعافية.
وفي الليل نام الأعرابي مرتاح البال فرحًا بما فعل للضبعة من إحسان، لكن أنثى الضبع بفطرتها المفترسة نظرت إليه وهو نائم، ثم انقضت عليه، وبقرت بطنه وشربت من دمه وبعدها تركته وسارت.
وفي الصباح حينما أقبل ابن عّم الأعرابي يطلبه، وجده مقتولًا، وعلم أن الفاعلة هي أم عامر، فاقتفى أثرها حتى وجدها، فرماها بسهم فأرداها قتيلة، وبعدها أنشد أبياته المشهورة التي صارت مثلًا يردده الناس حتى وقتنا هذا:
ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله
ِيلاقي الذي لاقـَى مجيرُ أم ِّ عامر ِ
أدام لها حين استجارت بقـــــــربهِ
طعاما ٌ وألبان اللـــقاح ِ الدرائـــــــر ِ
وسمـَّـنها حتى إذا مـــــا تكاملــــتْ
فـَـرَتـْه ُ بأنياب ٍ لها وأظافــــــــــر ِ
فقلْ لذوي المعروف ِ هذا جزا منْ
بدا يصنعُ المعروفَ في غير شــاكر ِ
اعداد.. صفاء الرفاعي