في آن اصبح فيه وجود التلفاز في كل بيت أمر بديهي، وفي متناول جميع افراد الاسرة ، لم تعد الاحداث مهما كان تصنيفها بعيدة عن المخيلة واثرها في الواقع بات واضح المعالم .
فما أن يقرر الشخص مشاهدة التلفاز حتى يذهل وتتسمّر جوارحه بصور القتل و العنف، ومما يزيد الفاجعة في نفس المشاهد إلحاق التقارير الاخبارية و الاعلامية او الافلام و التمثيليات بصور ضحايا أطفال، ضحايا الاغتصاب والفقر و التشرد والحروب والمجازر .
نسلط الضوء هنا لتأثير هذه الصور و خصوصاً ” ضحايا الاطفال” على أطفالنا المشاهدين .
في الوقت الذي يتخلى به الاعلاميون عن الالتزام بشرف المهنة و مراعاة الضمير الانساني دون الوقوف على خطورة نتائج نشر مثل هذه الصور والفيديوهات على الاجيال القادمة فى مختلف دول العالم ولا سيما عالمنا العربي الذي يقع في بؤرة الاحداث مجتمعةً بغية كسب سبق صحفيّ او انفراد اعلامي، توظّف صور الاطفال الضحايا لإثارة مشاعر المشاهد .
ولا نستثني مشاهدينا الاطفال الذين يتأثرون بمعاناة الأطفال الآخرين وينقلون معاناتهم أو أزمتهم لأنفسهم”.
ونخص بالذكر هنا الصور و الفيديوهات لشدة عمق أثرها أكثر من الاستماع فقط للخبر .
لأن الصورة تستدعي تأمل المعاني النفسية للحركة المؤلمة فيها، و لبقائها في الذاكرة النفسية بشكل طويل الامد و الاثر .
و ؤكد المعالجين النفسيين والتربويين أن صور العنف هذه لها أثرا على السلوك، فالإنسان بلا شك يتفاعل -بنسب مختلفة- مع المشاعر التي تعرض أمامه، وخاصة مشاعر الخوف والقلق والتوتر، الأمر الذي ينعكس مباشرة على مشاعره أثناء المشاهدة، كما يستمر معه بعد المشاهدة، وفي حال تعرض الإنسان لمشاهدات متتالية تحمل طابعا انفعاليا معينا، فسوف يتقمص المشاهد هذه المشاعر لمدة زمنية طويلة، فكيف ان كان هذا المشاهد طفلاً ..!
وفي مفارقة بسيطة بين الصغار والكبار في الاستجابة للمشاهِد، نرى أن الكبار يجتازون أثرها بإدراكهم بُعد المكان والزمان والواقع و إن كانت تمثيلية أو حقيقة، بينما الصغار لا يميزون ؛
مما يؤدي لانخفاض قدراتهم على التمييز بين الخيال و الواقع، و بالتالي نلمس أثر ما يشاهدونه على نفسيتهم ومخيلتهم من خلال انفعالاتهم وكثرة اسئلتهم واستفساراتهم التي تعكس مخاوفهم من حدوث ذلك معهم، ومن خلال الاضطراب السلوكي الذي ينتابهم من فقدان شعورهم بالأمان النفسي، وكثرة توجساتهم من حدوث ذلك معهم او مع من يحبون حولهم .
ولا ينحسر الخطر هنا فقط، بل الى وجود سلبيات كثيرة تطرأ على حياتهم ؛ كالحركة الزائدة و التبوّل اللإرادي و التمرّد والخجل و البكاء والقلق و الصراخ من دون تبرير او سبب حقيقيّ، و كثرة احلامهم المزعجة المؤرقة لهم في بعض الأحيان و الخوف الليلي .
فنهيب بدور الأسرة لننــأى بأطفالنا بعيداً عن صراعات العالم الى سلام نفسي ودفء اسريّ وطفولة مكتملة، ومواجهة هذا الخطر الذي يخلق جيلاً مرعوباً من المستقبل يحمل في حناياه سوداوية وحقداً مبكراً للعالم الخارجي سببه غياب الضمير الاعلامي والاستغلال المهني وعدم احترام ميثاق الشرف والعمل الاعلامي .