مقتطفات من كتاب سيناء.. المكان والانسان، للكاتب فيصل سليمان ابو مزيد
جرت العادة في سيناء أن الفتاة إذا بلغت سن الزواج، فإن حق الأولوية يكون لإبن عمها بالزواج منها أو من هو من أفراد عائلتها التي يندرجون تحتها حتى الجد الخامس.
وقد إعتمدوا على القول :”ابن عمها ينزلها عن ظهر الفرس “، أي كما يحدث سابقا عند البدو أن ينزل العريس عروسه من على ظهر الفرس أو الجمل.
وقد يريد أحد شباب القبائل الزواج بفتاة من قبيلة أخرى، بل إحيانا من نفس القبيلة، فيصطدم بالواقع القبلي الذي قد يمنع مثل هذا الزواج أن يكون.
فقبائل سيناء المنتشرة في أنحائها، جعلت القبلية حاجزا يحول دون التزاوج والتصاهر بينهم.
ولكن لا نريد أن نعمم، فالواقع الآن غير الكثير من العادات وإن كان على نطاق ضيق في مسألة الزواج بين القبائل.
ولعل هناك أسباب منعت أن يكون هناك زواجا بين القبائل وخاصة في أيام الحروب والسلب والنهب والأحلاف وخاصة بين القبائل في شمال سيناء.
فقد خلقت تلك النزاعات والحروب العداوة بين الأفراد، والتحفظ من الإقتراب من الأطراف الأخرى، وكانت سببا رئيسيا في عدم نشر الصفاء والمودة بينهم.
ورغم أن تلك الحروب والنزاعات قد إنتهت منذ عشرات السنين، وخاصة تلك المشاكل التي كانت بين قبيلتي السواركة والترابين، إلا أن الجفاء والكره ظل يورث للكثيرين ممن لم يعيشوا تلك الفترة، فكان ذلك سببا رئيسي لا يمكن تجاهله في إنعدام الزواج بين تلك القبيلتين، وإن كان هناك حالات زواج ولكنها تبقى نادرة.
وقد يكون هناك سببا آخر شرحه لي أحد شيوخ القبائل، ووضح لي سبب عدم الإقبال على الزواج بين القبائل، وهو أن الفتاة التي تخرج وتتزوج في قبيلة أخرى، قد تصطدم بعادات وأطباع وتقاليد وسلوكيات تختلف عما تربت فيه بين أهلها وقبيلتها.
وقد تحتاج إلى فترة لكي تكيف نفسها على طباع أهل بيتها الحديد.
لذا … يرى أهل أي فتاة أن الأولى بها هو إبن عمها أو إبن عشيرتها، أو على أقصى نطاق إبن قبيلتها.
فهناك مازال في سيناء عائلات لا تزوج حتى أبناء وشباب نفس قبيلتها !!
فموضوع الزواج في سيناء شائك ومعقد، وقد يكون سببه العزلة التي كان فيها أهلها، فانطووا على بعضهم ولم يسمحوا لدخيل أن يكون بينهم.
وقد يكون لإتساع رقعتها وترامي أطرافها سببا لعدم الإقبال على الزواج من بينهم، فيفضل الناس ألا يغربوا بناتهم عن مناطقهم، ويفضلون أن تكون في محيطهم، ولا سيما أن سيناء فيها بيئة زراعية وبيئة صحراوية وبيئة جبلية، فهم لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم بنسب قد يرهقهم في السفر والتنقل.
وقد يتعلل آخرون برفض الزواج بطريقة فيها أدب حتى لا يحرج الآخرون ولا يشعرهم بالسبب الرئيسي فيتعلل بصغر سن الفتاة، أو أنها مخطوبة لإبن عمها منذ الصغر،
وقد يرفض آخرون طلب الزواج ومن يتقدم للخطبة منهم بنوع من السخرية من أصله الوضيع، أو مهنة عائلته ، أو يذكره بقيمته ووزنه بين الناس، ويسبب له الإحراج دون مراعاة لحاله ووضعه.
ويستطيع ابن عم الفتاة أن يمنع زواجها لو وافق الأب على الزواج الذي من خارج القبيلة، بأن يستخدم القانون ” القضاء العرفي ” ويُدخل الفتاة على وجوه ثلاثة من كبار القوم عن زوجها الذي سيأخذها.
وقد حدثت في كثير من المجتمعات البدوية، والقضاء العرفي ينظم هذه الحالة بشروط وقوانين صارمة حتى لا تكون لعبة في يد أي شخص.
والفتاة البدوية لا رأي لها في عملية القبول، بل ما يراه لها أباها أو أخاها توافق عليه، لأنها تعلم جيداً أنهما يريدان الصالح لها، ولا تكسّر كلامهما إحتراماً وتقديراً لهم، حتى وإن لم توافق داخلياً على العريس المتقدم.
وتبدأ فترة الزواج بالخطبة، وهي غالباً ما تكون سّرية ولا يعرف بها الآخرون إلا بعد إتمامها والقبول.
وبعد الموافقة تبدأ عملية تحديد المهر، وهو غالباً ما يكون مبلغاً مالياً للعروس تشتري به كسوتها وملابسها وذهبها.
ويلاحظ أن تحديد المهر عند بدو سيناء يتم بسلاسة ولا تشدّد فيه، بل حسب إستطاعة العريس وأهله، لأنه غالباً ما يكون من عائلة العروس أو من معارفهم ، فتكون للقرابة دوراً هاماً في تقدير المهر وتسهيله.
والبدو في سيناء، بنسبة كبيرة منهم لا يشارك أهل العروس في تجهيز مراسم الزواج أو تجهيز منزل الزوجية، بل يقوم العريس بكل ذلك دون أي تردد أو تأخير.
وفي يوم العرس، يشرع أهل العريس في نحر الذبائح، احتفالاً بالمناسبة وتقديم الغداء لمهنئيهم.
ويقوم بهذه المهمة الشباب من أفراد العائلة أو الأصدقاء والجيران، ويقوم الشيوخ والرجال بإستقبال الضيوف في ديوان العائلة أو العشيرة فيجتمعون فيه، ويتجاذبون أطراف الحديث، ويحتسون القهوة والشاي، وهم يقدمون التهنئة والتبريكات لأهل العريس مرددين عبارة ” مبروك فرحكم ” .
ومن العادات الإجتماعية التي ما زال البدو محافظين عليها في الأعراس هي المشاركة الإجتماعية.
وذلك بأن يقدم الزوار والمهنئون لأهل العريس كبشا أو قعوداً أو أي مواد غذائية من سكر أو أرز ويسمى ذلك ” قودُ ” وعند البعض ” إطلالة”، كل فردٍ على قدر إستطاعه وقربه من عائلة العريس.
وهذه عادة حميدة تساعد فيها العريس أن يبدأ حياته بها، ومازالت مستمرة إلى وقتنا هذا عند كل أهل سيناء، سواء كانوا بدوا من أهل القبائل أو حضرا من سكان المدن، وإن كانت في المدينة إستبدلت بما يسمى ” النقوط” تسهيلا على العريسين .
ويُقيّد ما تم إحضاره من المهنئين بإسمه في دفتر ويُحفظ حتى يُردّ إليه حين تكون عنده مناسبة سعيدة في المستقبل.
وما أن ينضج الطعام حتى يتسابق الشباب في حمله على صواني دائرية، ويتكون الطعام عليها من الثريد وعليه الأرز الذي تعلوه قطع لحم الأغنام أو لحم القعدان من الإبل.
وما أن يفرغ الضيوف من تناول طعام غدائهم، ويشربوا القهوة والشاي حتى يخلدوا للراحة قليلاً، قبل أن تبدأ مراسم الزفاف.
حيث كانت قديماً تُزف العروس في الهودج على ظهر الجمل، ولكن مع التطور والتقدم ووجود وسائل الإنتقال من السيارات، تتحرك الزفة إلى بيت العروس، في موكبا من السيارات ثم تعود إلى بيت العريس، فتحتفل النساء بالعروس ويرددن الأغاني والأهازيج البدوية ومنها “جينا نهنيكم يا أهل الفرح جينا نهنيكم”، وتظل النساء تردد هذه الأهازيج الشعبية حتى العشاء.
ويلاحظ في بعض القبائل البدوية أن أهل العروس مثل أباها أو أخاها أو أولاد عمومتها لا يحضرون عرس إبنتهم في ليلة زفافها بل تودعُ من قبل أبيها وأهلها قبل أن تذهب معهم، وذلك تحرجاً من الموقف حين يكون الزوج من خارج العائلة أو من فخذ آخر.
ولكن في الحاضر، وفي حضم هذا التطور الذي ينقل المجتمع فيه رويداً رويداً من البداوية في مظاهر السلوك إلى التقدم ومواكبة الحضر، فإن الكثير من الأنماط قد تطورت مع بقاء المعدن الأصيل للبادية كما هو لم يتغير.
فأصبحت للمرأة نوعاً من الحرية الغير مطلقة في موافقتها أو رفضها للعريس المتقدم، ولكن ليست بصورة عامة على جميع المجتمعات المختلفة في سيناء، فهناك ما زالت تجمعات بدوية ومناطق كثيرة لوقتنا هذا يعيشون على ما عاش عليه الآباء والأجداد… بل ينزعجون حال نزولهم إلى المدينة أو إلى القرية!
أما الحضر في سيناء ، وهم الذين في المدن ، وبعض من أفراد القبائل التي سكنت المدن، وشعرت بالفرق بين المدينة أو القرية والبادية فإن لهم أنماط وطقوس في الأعراس تختلف عما في البادية نوعا ما.
فالمرأة أو الفتاة لها الحرية المطلقة في إختيار من تراه مناسبا ليكون شريك حياتها عند غالبيتهم، وليست مقيدة بالزواج من ابن عمها أو أي فرد من عائلتها بل من تقدم إليهم ونال القبول.
ويُقام حفل حين كتب الكتاب يُدعى له كل المعارف والأقارب والأصدقاء، ويسمى يوم الشبكة.
وحين الإتفاق على تراتيب الزواج من شقة ومهر وعفش وكسوة، فأنها شريكة أساسية في كل هذه الاتفاقيات، لأنها بكل بساطة هي من تعيش وليس غيرها.
ويتشارك الزوجان في إعداد بيت الزوجية من أثاث وأجهزة، وتوزع المسؤوليات على الطرفين بالإتفاق.
وقبل العرس بليلة يحيي أهل العروس ليلة تسمى الحناء وهي لتوديع العروس وتقام في بيتها أو في أي مكان مناسب، فيتجمعن النساء من صديقاتها وجيرانها للاحتفال بزواجها.
ويقام العرس غالباً في صالة مغطاة وتكون مقسومة صالة للرجال وصالة للنساء، وقد يُنصب صوان كبير لإقامة الحفلة.
وفي صباح أول يوم زواج يجهّز الغداء في منزل العريس ويسمى الصباحية ويكون من الأرز واللحم والخبز المفتوت ويقدم للعروسين كنوع من الترابط الاجتماعي، ويُعْطى للعريس مبلغ مادي يسمى النقوط كل شخص حسب وضعه وقدرته ومدى قربه وصداقته.